النص السردي : تحول
كانت السنة الأخيرة من دراستي في ثانوية القاضي عياض طويلة ومتعبة، فقد توضح لي أنني اجتزت الاختبار بحذق، وأن هناك أفقا واحدا مطلوبا وشاخصا سوف اتجه إليه لكي أملأ نفسي بما كان غيري قد ملأ نفسة به: الخزية والسفر البعيد. هناك حد واحد سوف أقطعه لكي أصل إلى بغيتي. مسافة سأطويها دافعا ومندفعا. وكنا جماعة من الداخليين قد هيأنا أنفسنا لملاقاة هذه السنة بالاجتهاد والمثابرة. فقد كان الحصول على شهادة الباكالوريا منجاة لنا من أقدار عمياء تتعقب من يسعى إليها سعي المتهاون، إما بتراخيه أو بلهوه. على أن بداية السنة أحاطت نفوسنا بالغموض والنية، فقد كنا نسمع غن الأستاذ العمري أنه مثال للشدة والحزم، وكانت دروسه، كما توضح لنا خلال هذه السنة، من المحن الني تنفطر لها القلوب الصامدة. لا يجادلك في شيء بل يفاجئك بسؤال. يدخل إلى القسم فنحسب أن قلوبنا قد خرجث إليه من خوفي، يستوي في ذلك من كان أكثرنا فطنة وأذكانا معرفة وأقوى على التجلد من جلمود، وغيره.
ومن باب الاتفاق أنني اخترت الجلوس في القسم إلى جانب صديق. كان يسعفني في كثير من الأوقات بما لم أجتهد فيه أو بما كان لي فيه إشكال. وهكذا صرنا نستعد للدروس بحذر وانتباه حتى جاء يوم الاختبار، ولم يكن قد مضى على بداية الدروس سوى شهرين أو يزيد قليلا، يوم دخل الأستاذ واتجه مباشرة إلى السبورة، وكتب التاريخ والمادة، ونحن نحسب انه سيشرع بعد جين في الشزح والتفسير، وظننا أنه أخطا القصد عندما خط بحروف عريضة: أجب عن السؤال التالي مدعما رأيك بالحجج المقنعة. ولكنه كان يكتب بالظبط ما سوف يفاحيء الكثيرين ويميز حذق البغض في الاجتهاد والتدبر. وهو ما كشف عنه السؤال، مطالبا إيانا أن نجيب بوضوح وتحديد عن الفرق بين الفلسفة والعلم.
ولا أذكر مما جرى إلا أنني كتبت بضع صفحات في تحديد الفرق. ولكن الزمن بين يوم الاختبار واليوم الذيستقدم فيه النتائج زاد على كل توقع حتى ارتعبنا، ولكن الأستاذ لم يكن يدرك لهذا الارتعاب أثرا في وجوهنا ولا كنا نظهره له، وظننا أنه نسي الاختبار، غير أنه، فيما بدا، كان يتحين فرصة سانحة ليخبرنا بالنتائج. وهي التي جاءت بعد أسابيع، فما إن دخل يوما القسم حتى أبدى بعض الانزعاج من التحفز الظاهر في الوجوه. ورأيناه ينادي ممثل القسم، مسرا إليه كلاما. وبعد حين رأينا الممثل يحمل إليه دفتر الغياب، فالقى عليه نظرة خاطفة، حتى إذا وقف في اللائحة عند اسم، رفع رأسه، وحدجنا بنظرة عابسة، ثم عاد إلى اللائحة من جديد ونحن في هذه الأثناء بين مترقب ومتوجس وعلى حين غرة نطق باسم...
كان الأستاذ يعنيني أنا بالذات. وإنها لمفاجأة صاعقة، خارت لها قواي. وأذكر اني توردت من خجل حتى فارت من جبهتي حبات عرق خلتها تتكور في انحدار سريع لا يبالي بمقام. وأحسب انه كان في تلك الأيام ذا مزاج حشن، إذ يذرك المرء بسهولة أن طبعة أرق من المعتاد، وأنة في حال أميل إلى الدعة. وكذلك فجر في القسم ما سوف يملأ علي شخصيتي بعد ذلك، بل جعل الآخرين يركنون، إلى التسليم، بمولد فيلسوف بالقوة. أغرقني في خجل بارد، لم أعد أسمع معه ما كان يلقيه على مسمعي من ثناء واستحسان، أظهرني بين الآخرين على غير ما كنت أتوقعه لنفسي ولا كان غيري يحسبني قادرا عليه. وبعد أيام صرت أحس في ذاتي ببعض التغير، كاني لبثت شخصية أخرى لا تقنع إلا بالعلياء من المراتب والدرجات. فوقعت من حيث لا أدري فيما سوف يغير مجرى حياتي. هكذا تحولت.
ملاحظة النص :
دلالة العنوان وفرضية القراءة :
- نوعية النص :
انطلاقا من المؤشرات السابقة يتضح أنه عبارة عن نمط حكائي سردي يسرد فيه الكاتب أحداث وقعت له في حياته في مرحلة الثانوي و هدا النمط السردي الحكائي يسمى بالسيرة الذاتية وأهم مؤشر يدل على ذلك هو استعمال ضمير المتكلم
II. الفهم والتحليل
1. الحدت :
الحدث الرئيسي الذي يدور عليه النص هو اجتياز الكاتب لامتحان الفلسفة بجدارة و استحقاق مهما كان له البالغ على نفسية الكاتب وحياته.
2. بنيية الأحداث :
أ. البداية :
تذكر الكاتب السنة الأخيرة من تعليمه الثانوي مع الإشارة الى أهم الأحداث في هذه المرحلة مع ذكر زمان ومكان وقوعه دون إغفال الهدف منه وما تطلبه استعداد نفسي وذهني.
ب. الحدث الطارئ:
الاجتياز المفاجئ لاختبار الفلسفة.
ج. العقدة:
طول مدة انتظار النتائج وما ترتب من ترقب وتوجس.
د. الحل :
الإعلان عن النتائج وتفوق الكاتب.
ه. النهاية :
التحول الذي طرأ على حياة الكاتب وشخصيته ونفسيته اِتر هذا التفوق .
3. فضاء الحكاية:
الزمان الماضي .السنة الأخيرة,أيام, شهرين.
المكان .القسم, الداخلية, ثانوية.
4. تقنيات السرد :
السرد الذي اعتمد في النص هو السرد المتقطع.
5. المنظور السردي :
استعمل الكاتب ضمير المتكلم في سرد الأحداث مما يدل على انه مشارك فيها وأن أحداثها مرتبطة بحياة الكاتب أي أنها سيرة ذاتية ومن المؤشرات الشخصيات العمري ومكان الأحداث.
6. لغة النص :
لغة النص تفريقية مباشرة لا تخلو من تصوير:
بلاغة الإقناع : بهذا التحول الذي وقع بحياته.
بلاغة الإمتاع : من خلال توطين أساليب بلاغية كالتشبيه والاستعارة والمجاز
7. المغزى من القصة :
يمكن أن نستخلص من أحداث هده القصة أن مغزاها هو تحفيز التلاميذ على الجد والمثابرة والاجتهاد والأخذ بالأسباب لتحقيق الأهداف.
حياكم الله والسلام عليكم.
ليست هناك تعليقات